نزهه في شارع يأوي الحياة

التقطت هذه الصور العفوية اثناء زيارتي لشارع الظهيرة في حي الغوطة للمرة الأولى
توجهت لهذا الشارع صباحا لزيارة أحد محلات التطريز كجزء من عملي ،وبالرغم من أني زرته في صباح يوم صيفي حار إلا أنني كنت أشعر بالمتعة والألفة بالمشي في هذا الشارع

كان الشارع يتسع لسيارتين فقط مع أرصفة عريضة متصلة بالمباني ، لوحات المحلات على مستوى منخفض والمباني فيه لا تتجاوز ارتفاع الدورين أو الثلاثة ، أحجام البنايات صغيرة فعرض الواجهه تقريبا 01 أمتار، والمحال التجارية قريبة من بعضها البعض تتنقل بينها بسهولة، ولا توجد هناك الكثير من السلالم أو العتبات، ربما واحدة فقط عندما تدلف إلى الدكان الواحد.
 والنقطة الأكثر جذبا بالنسبة لي هي الأشجار، أشجار كبيرة ذات ظلال واسعة تغطي معظم مساحة الرصيف وتجعل المشي مقبولًا جدًا حتى في أكثر شهور السنة حرارةً.

تأملت هذه الخصائص التي جعلتني استمتع بالمشي في هذا الشارع ووجدتها تتكرر في كثير من الأحياء القديمة سواء في مدينة الرياض أو غيرها. فعندما أزور منازل أحد أجدادي بالمنطقة الشرقية أشعر بالراحة والألفة الكبيرة عند المشي من موقف السيارة الذي لا يكون قريبا جدا من المنزل حتى باب منزل جدي الحنون ، الأمر الذي يختلف تماما عن أغلب الأحياء الحديثة التي سكنت أو عملت فيها. فأتخذ أكثر سرعة فيها بالمشي ممسكة حقيبتي اليدوية بإحكام.

هذه المميزات لم أكن لأفهمها جيدًا إلا بعد قراءتي لكتاب المدن القابلة للمشي وهو من كتب التخطيط العمراني الشهيرة، لكاتبه المخطط الحضري ستيف بيك الذي عمل في هذا المجال لمدة تزيد عن العشرين عامًا

في هذا الكتاب يبدأ الكاتب بذكر أهمية المشي ودوره في خلق مدن صديقة للإنسان وذات فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة وأن إمكانية التنقل سيرًا على الأقدام من شأنها تحسين جودة المدن اقتصاديا وتحسين صحة الإنسان بما يتوافق مع الدراسات الطبية  امريكية، يذكر الكاتب العديدة من الأمثلة على مدن أمريكية اعتمدت في توسعها على جعل المدن والشوارع معتمدة كليًا على استخدام السيارات للتنقل ، مما نتجت عنه مشاكل عديدة على مستوى المدن والأفراد والبيئة .
و قابلية المدينة للمشي أو الوالكبيلتي هي نظرية يؤمن فيها الكاتب أنك من أجل أن تشجع الأفراد على المشي يجب أن تتحقق في المشي أربعة خصائص أساسية وهي :الفائدة والأمان والراحة والمتعة.


وبناء على هذه النظرية يشرح 01 ميزات مطلوبة لجعل مدننا قابلة أكثر للمشي وبالتالي صديقة للإنسان ، وبالرغم من أن الكتاب يتحدث بشكل كبيرة عن مدن امريكية بشكل كبيرة، ويتطرق لبعض المدن الأوربية في بعض الأحيان كمثال إيجابي إلا أنه ينطبق على التخطيط الحضري الذي تبنته مدننا العربية الحديثة، والجميل في هذا أنه يذكر الفوائد العديدة لتطبيق هذه الخصائص على التخطيط الحضري المتمركز حول قابلية الشوارع للمشي والذي يشمل فوائد إقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الفوائد على مستوى الأفراد. وكدعوة مني لقراءة هذا الكتاب الذي وجدته مدخلًا ممتعًا في مجال التخطيط العمراني كشخص مهتم بتحسين جودة حياته ، هذه الجودة التي تتأثر بالمدينة التي يعيش فيها ، سوف أدرج تلخيصا كاملا لهذا الكتاب.

أخيرًا أدعوك لبعض دقائق من التأمل
فإذا كنت من أحدى الأجيال التي حظت بفرصة العيش في قرية أو أحياء تقليدية لابد وأنك جربت المعيشة بدون الإعتماد على السيارة ، ولكن اليوم هل تتخيل أي جزء في يومك بدون السيارة ؟ وهل تعتقد ان استخدام السيارة بكل مافيها من سلبيات على صحة الإنسان – مثل حرمانه من استخدام جسمه والحركة – أو سلبيات بيئية – الاحتباس الحراري – هو أمر عادي ويمكننا تجاهله ؟
وإن لم تكن جربت العيش في حي تقليدي في المرة القادمة التي تخرج فيها من منزلك لاحظ وجود الرصيف من عدمة وكم عرضه ، عدد مسارات السيارات في الشارع ، وجود الأشجار أو الشجيرات، إرتفاع المباني وشعورك بالراحة في المشي أو فكرة المشي بحد ذاتها.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *